خاص| مفاوضات غير معلنة في بغداد لانسحاب الفصائل قبل الانتخابات
كشفت مصادر سياسية عراقية في العاصمة بغداد عن حراك سياسي جديد مدعوم من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، يهدف إلى إنهاء سيطرة الفصائل المسلحة على مدن جرف الصخر والعوجة والعويسات، وإعادة أهل هذه المدن إليها قبيل إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة والمقررة في نهاية العام الحالي.
هذا الحراك بات متكرراً وبشكل شبه سنوي منذ ما يزيد عن عشر سنوات، حيث تسيطر جماعات مسلحة مرتبطة بإيران على عدد من المدن العراقية ذات الغالبية العربية السنية، وتمنع عودة أهلها إليها، وأبرزها جرف الصخر، جنوبي بغداد، والعوجة، مسقط رأس الرئيس السابق صدام حسين، والعويسات، جنوب شرقي الأنبار، إلى جانب مناطق في ديالى وصلاح الدين ونينوى، أبرزها يثرب وعزيز بلد، وسلمان بيك، وذراع دجلة، والثرثار.
وتحدثت ثلاثة مصادر سياسية في العاصمة بغداد، لـ"العربي الجديد"، عن أنّ الحراك الجديد الذي تبنته عدة قوى عربية سنية قائم على تحقيق أي خرق بالملف، حتى لو كان النجاح بإنهاء السيطرة على بلدة واحدة من هذه البلدات وليس كلها، لكن السعي أن يكون ذلك قبل الانتخابات المقبلة.
القوى العربية السنية التي تواجه حرجاً كبيراً من جمهورها إزاء الملفات الحقوقية والإنسانية التي وعدت بها خلال انتخابات 2021 ولم تحقق أي تقدم بها، تسعى إلى إشراك الإيرانيين في الملف، حيث تلقي بعض الفصائل المسلحة، وأبرزها "كتائب حزب الله"، المسؤولية في قرار إنهاء السيطرة على هذه المدن على عاتق إيران، لكن مسؤولاً إيرانياً أبلغ أحد قادة القوى السياسية السنية في بغداد أخيراً بأنه لا علاقة لهم بهذا الملف وأنه "شأن داخلي".
وأفاد أحد المصادر، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، شريطة عدم الكشف عن هويته، بأنّ "الحراك يهدف إلى إرجاع النازحين إلى جميع المناطق منزوعة السكان، أو عدد من المناطق وليس كلها، وذلك تنفيذاً لورقة الاتفاق السياسي الذي على أساسه تشكلت الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني".
وأبرز القوى التي تتبنى هذا الحراك وتسعى إلى تعجيل حسمه هي تحالف "السيادة"، أكبر الأحزاب العربية السنية في العراق، الذي يتزعمه خميس الخنجر، بالإضافة إلى حزب "الجماهير الوطنية" برئاسة أحمد الجبوري، المعروف باسم "أبو مازن"، وأيضاً أطراف ووساطات مختلفة في هذا الشأن.
أبرز القوى التي تتبنى هذا الحراك وتسعى إلى تعجيل حسمه هي تحالف "السيادة"
وبرز ملف النزوح وإنهاء ظاهرة المخيمات والسيطرة على المناطق منزوعة السكان من الفصائل والمليشيات، بعد إقرار قانون العفو العام والأحوال الشخصية وإعادة العقارات إلى أصحابها، وهي حزمة القوانين التي كانت ضمن منهاج اتفاق الأحزاب السياسية قبل تشكيل حكومة محمد شياع السوداني الحالية، وتنتظر الأحزاب السنية استكمال بقية المنهاج الذي يتضمن إعادة النازحين كلهم إلى مناطقهم الأصلية، وحصر السلاح بيد الدولة.
وتسيطر الفصائل والمليشيات الموالية لإيران على مناطق جرى تحريرها من تنظيم "داعش" وإفراغها من سكانها الأصليين، وأبرزها جرف الصخر، والعوجة، والعويسات، وإبراهيم بن علي، والسعدية، وقرى آمرلي، وقرى المقدادية ويثرب وسليمان بيك ومناطق أخرى. وسبق للمسؤول الأمني لمليشيا "كتائب حزب الله" أبو علي العسكري أن وصف عودة سكان هذه المدن وانسحابهم منها بأنه "حلم عودة إبليس إلى الجنة"، واصفاً، في بيان، سكان تلك المناطق مثل العوجة، وآمرلي، وبلد، جرف الصخر، الكرمة، مناطق البو نمر، سنجار، ومثيلاتها، بأنهم "إرهابيون".
مع العلم أنّ ورقة الاتفاق السياسي التي وقعت عليها القوى السياسية العراقية ووافقت على تضمينها في برنامج عمل ثامن الحكومات العراقية منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، نصّت على عدة مطالب للقوى العربية السنية، والقوى الكردية، ووافقت عليها قوى "الإطار التنسيقي" الحاكمة بالبلاد، لقاء تصويت السنة والأكراد على منح الثقة لحكومة السوداني، من بينها إعادة جميع النازحين لمدنهم الأصلية، وإنهاء احتلال المدن من قبل الفصائل المسلحة.
الناشط السياسي العراقي إبراهيم الدليمي اعتبر أنّ "الوقت حان لإعادة النازحين من المناطق منزوعة السكان، وخصوصاً أنّ هذا الملف يندرج ضمن ورقة الاتفاق السياسي في أجندة ائتلاف إدارة الدولة، وبعد التصويت على قانون العفو العام، لا بد من استكمال الملفات، وأبرزها عودة النازحين وتعويض المتضررين من الحرب". وأكد الدليمي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك حاجة إلى تهيئة المناطق قبل عودة النازحين إليها، وأبرزها العوجة وجرف الصخر، وإصلاح البنى التحتية، ثم تعويض النازحين بمبالغ لبدء حياة جديدة، وليس هناك مجال لتسويف ملف النازحين أو ترحيله إلى حكومة جديدة".
بدوره، أكد الناشط السياسي والإعلامي المقرّب من تحالف السيادة أحمد غازي وجود "إرادة حقيقية لإعادة النازحين إلى ديارهم وإنهاء ملف النزوح بشكل كامل دون أي معرقلات سياسية، وهذا يجعلنا نشعر بأن حسم الملف سينجح كما نجح ملف إقرار تعديل قانون العفو العام"، وأشار إلى أنّ "رئيس الحكومة خلال اللقاءات السياسية مع ممثلي المكون السني أظهر جدية كبيرة للحكومة على إنهاء مسألة النازحين، ونلمس أن حكومته تعمل على حل هذه الإشكالية عبر الحوار مع الكتل السياسية الفاعلة من جهة وتهيئة الأرضية المناسبة لإعادة السكان كتوفير الأمن وإزالة المخلفات الحربية وتجهيز البنى التحتية الضرورية من جهة ثانية".
وبخصوص الاعتراض الذي قد يظهر من جهات تمسك بالمناطق منزوعة السكان، قال غازي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العراق أمام واقع سياسي جديد يفرض نفسه على الجميع، ومنها الركون للحلول السياسية والابتعاد عن لغة السلاح والترويع والتهجير، وأن على الجميع التخلي عن السلاح وأخذ جانب الدولة والقانون".
وينتظر نحو نصف مليون مهجّر من مدن جرف الصخر والعويسات والعوجة ويثرب وعزيز بلد والسعدية وذراع دجلة والثرثار، إلى جانب عشرات القرى في شمال البلاد وغربها، العودة إلى منازلهم ومدنهم المبعدين عنها منذ ما يزيد عن عشر سنوات، حيث تحتل مليشيات مسلحة مرتبطة بإيران تلك المناطق وتمنعهم من العودة.
يضاف إلى ذلك استمرار الدمار الواسع بمنازل المواطنين في مناطق شمال العراق وغربه، إثر العمليات العسكرية واحتلال تنظيم "داعش" لها، وانتظار وعود الحكومة بتعويضات لهم ضمن قانون ضحايا الإرهاب. إلى جانب ذلك، التوازن بين المكونات داخل المؤسسات الحكومية، وحل هيئة المساءلة التي تتولى ملاحقة وإبعاد من تعتبرهم أعضاء بحزب البعث أو متعاونين مع النظام السابق، في إجراءات أخذت طابعاً سياسياً وحزبياً وطائفياً.